الاستشعار عن بعد: تعريفه وأهميته واستخداماته وأجهزته
الاستشعار عن بعد هو تقنية علمية تهدف إلى جمع المعلومات عن سطح الأرض ومكوناته دون الحاجة إلى الاتصال المباشر بها. يتم ذلك عبر استخدام أجهزة وأقمار صناعية تقوم بالتقاط البيانات من خلال استشعار الإشعاعات الكهرومغناطيسية المنبعثة أو المنعكسة من الأجسام. يُستخدم الاستشعار عن بعد في مجالات متعددة، مثل دراسة الظواهر الطبيعية، إدارة الموارد البيئية، تخطيط المدن، وتتبع التغيرات المناخية، مما يجعله أداة أساسية في العلوم الجغرافية والبيئية.
أولاً: تعريف الاستشعار عن بعد REMOTE SENSING
هناك تعريفات عديدة للاستشعار عن بعد كما لاحظتم، وفيما يلي عرض لأهم أربعة من هذه التعريفات:
1.
يقصد بالاستشعار عن بعد مجموع العمليات، التي تسمح بالحصول على معلومات عن
شئ ما، دون أن يكون هناك اتصال مباشر بينه وبين جهاز التقاط هذه
المعلومات.
2. الاستشعار
عن بعد هو ذلك العلم، الذي يستخدم خواص الموجات الكهرومغناطيسية المنعكسة،
أو المنبعثة من الأشياء الأرضية، أو من الجو، أو من مياه البحر والمحيطات
في التعرف عليها.
3. يمكن النظر إلى الاستشعار
عن بعد على أنه: مجموعة الوسائل، من طائرات، أو أقمار صناعية، أو بالونات،
وأجهزة التقاط البيانات، ومحطات الاستقبال، ومجموعة برامج معالجة البيانات
المستقبلة، التي تسمح بفهم المواد والظواهر من طريق خواصها الطيفية.
4. الاستشعار عن بعد:
هو علم يمكن من الحصول على بيانات الانعكاس والسلوك الطيفي للأشياء، التي
يمكن أن تتحول إلى معلومات من خلال عمليات المعالجة والاستقراء.
إذن فعبارة "الاستشعار عن بعد" تستعمل لتعني مجموعة المعطيات، التي نحصل
عليها من مسافة معينة؛ ناتجة عن تفاعل طاقة الإشعاع الكهرومغناطيسي مع
المادة، أو المظهر الذي ندرسه، والمقيس بإحدى وسائل أجهزة الاستشعار عن بعد.
إن هذه التعريفات أعلاه- وإن كانت شمولية - فإنها على درجة كبيرة من
التعقيد أحياناً، فما تتضمنه دراسة المواد والثروات الأرضية، التي ليست على
بعد كبير من الأجهزة، يجعل استعمال عبارة "عن بعدREMOTELY " موضعاً
للتساؤل أحياناً من البعض. كما يعتقد البعض أن الوسائط الأخرى المخالفة
للطاقة الإشعاعية، كالصوت مثلاً، يجب أن تكون مشمولة بهذه التعريفات.
ثانياً: أنواع الاستشعار عن بعد
1. الاستشعار
عن بعد السلبي Passive Remote Sensing: وتكون البيانات المستقبلة فيه هي
الانبعاث الطيفي من الأجسام، (اُنظر شكل التقاط الانبعاثات الطيفية).
2. الاستشعار عن بعد الإيجابي Active Remote Sensing: وتكون البيانات المستقبلة فيه انعكاسات طيفية، حيث تقوم المنصات الحاملة لأجهزة الاستشعار
بإرسال الموجات الكهرومغناطيسية إلى الأهداف المراد دراستها، فترتطم بها،
وتنعكس لتستقبلها المستشعرات Sensors، التي تقوم بإرسالها إلى محطات
الاستقبال الأرضية Ground Reception Stations.
ثالثاً: تقنيات الاستشعار عن بعد REMOTE SENSING TECHNOLOGIES
تعتمد تقنيات الاستشعار
عن بعد على حمل أنواع متعددة من اللواقط او المستشعرات Sensors، لتسجيل
الظواهر المراد دراستها وقياسها، بناء على مفهوم: أن كل جسم يشع ويعكس مدى
من الطاقة الكهرومغناطيسية، تكون غالباً في مجموعات متميزة، تسمى "بصمات
طيفية" Spectral Signature، توضح معلومات عن خاصية معينة للجسم لذا نستطيع
الاستعانة بذلك لإعادة تصنيف مايصلنا من بيانات...
وعموماً،
فإنه يمكن للإشعاع أن يبث من خلال الجسم، أو يمتص بواسطة الجسم، أو يشتت
بواسطة الجسم، أو قد ينعكس الإشعاع، ويعني بذلك عودة الإشعاع دون تغيير، أي
يكون الجسم في هذه الحالة مثل المرآة.
ويحدد اختيار أحد هذه التفاعلات السابقة طول الموجة لكل مادة، التي تعتمد
أساساً على خصائص سطحها وجزيئات بنيتها، وهذه هي قواعد القياس بواسطة الاستشعار عن بعد. وجدير بالذكر أن للغلاف الجوي للأرض بعض المميزات الخاصة به، والمؤثرة في اختيار النطاقات الضوئية في الاستشعار.
وتختلف دقة كل جهاز استشعاري عن الآخر بدرجة التفريق Resolution، التي
يحققها في رصد الأهداف، ويعتمد ذلك على خواص كل مادة بالنسبة لعكس الأشعة
الساقطة عليها، أو امتصاص هذه الأشعة، جزئيا أو كلياً.
رابعاً: آلية الاستشعار عن بعد
1. جمع المعلومات بواسطة المستشعرات، وبثها إلى محطات الاستقبال الأرضية.
2. خضوع هذه المعلومات لمعالجة أولية وتصحيحات، ثم معالجة نهائية.
3. تفسير هذه المعطيات بعد تحويلها إلى صور.
4. استخدام الصور في رسم البيانات الدقيقة والخرائط، التي تخدم المجالات المختلفة.
خامساً: أجهزة الاستشعار عن بعد
أجهزة الاستشعار عن بعد أجهزة ميكانيكية أو إلكترونية، فيمكن أن تكون آلة التصوير العادية أكثر الأشكال المألوفة لأجهزة الاستشعار
عن بعد، إذ إنها مثل العين تماماً، تستخدم الضوء المنعكس من الجسم، والمار
خلال عدسات مختلفة، إلى سطح حساس للضوء لتشكيل الصورة، وكما تستعمل آلة
التصوير لتسجيل الأحداث، التي نرغب في تذكرها، فإنه يمكننا استخدام آلة
التصوير هذه للحصول على معلومات مناسبة، لموضوع معين، نهتم بدراسته.
وبالرغم من أن بعض أجهزة الاستشعار عن بعد قادرة على إعطاء معلومات/بيانات مستمرة في وقت تشغيلها نفسه، فإن أكثر أجهزة الاستشعار
عن بعد تقوم بخزن المعطيات، بشكل أو بآخر. وكذلك فإن كمية المعطيات
القابلة للاستخدام في الصورة الثابتة أكبر منها في اللقطات المتغيرة
باستمرار، والمرئية على جهاز عرض ما.
فأجهزة الاستشعار
عن بعد إذن هي: الأجهزة، التي تجمع المعطيات، بشكل قابل للتخزين عادة من
أجسام أو مشاهد معينة من مسافة ما منها، وبعض هذه الأجهزة، كآلات التصوير،
تستعمل طاقة الضوء المرئي ، بينما يستعمل بعضها الآخر أنماطا أخرى من
الطاقة، فهناك أجهزة استشعار عن بعد أقل شيوعاً من آلات التصوير، كأجهزة
الرادار وأجهزة التصوير بالأشعة السينية X- Rays.
فباستعمال الأشعة السينية مثلاً، يمكن أن تكون المسافة أكبر بقليل من
سماكة طبقة من الجلد أو النسيج، أما الاختلاف الأكثر أهمية فهو طبيعة
الأشعة المستعملة في كل نظام. فبالنسبة للرادار وللأشعة السينية يكون
اختلاف طول موجة الإشعاعات المستخدمة هو السبب الذي يعطي كلاً من النظامين
ميزاته لمهمات علمية معينة.
1. المنصات الحاملة لأجهزة الاستشعار عن بعد REMOTE SENSING TERMINALS
الغرض الأساسي من المنصات، التي تحمل أجهزة الاستشعار عن بعد، هو: وضع هذه
الأجهزة على ارتفاع معين من سطح الأرض. وتستخدم 1- البالونات و2- الطائرات
في الاستشعار الجوي للحصول على صور جوية ذات مقاييس كبيرة ومتوسطة، من
2000:1 حتى 8000:1، طبقاً لارتفاع البالون أو الطائرة، الذي يراوح بين 3000
و7000 متر، والبالونات قد تكون موجهة، أو غير موجهة، حيث يتوقف مسارها على
الرياح.
والنوع الثالث والسائد اليوم من المنصات هو: المركبات الفضائية SPACE
SATELLITES، وهذا النوع من المنصات باهظ التكاليف، ويتطلب تكنولوجيا رفيعة
المستوى. وهذه المركبات نوعان: متحركة في مساراتOrbits حول الكرة الأرضية،
وثابتة Geostationary، وهي التي تتميز بتواجدها الدائم، في موضع ثابت
بالنسبة للأرض، وبذا توفر ملاحظة دائمة ومستمرة لجزء ما من الكرة الأرضية.
2. أجهزة التقاط البيانات
أجهزة التقاط البيانات هي التي تستقبل الأشعة المنبعثة والمنعكسة، على
أطوال موجية معينة، ثم تحولها إلى أشعة، ترسل إلى محطات استقبال أرضية.
وتنقسم أجهزة التقاط بيانات الاستشعار عن بعد إلى الأنواع الرئيسية
الآتية:
أ. أجهزة التصوير، (اُنظر شكل أسلوب التصوير الضوئي).
ب. الرادار، وهو جهاز التقاط الاستشعار الموجب، حيث يتولى بث الأشعة، والتقاطها، وإرسالها إلى محطات الاستقبال الأرضية.
ج.
وعادة ما تزود الأقمار بتلسكوبات ضخمة، تزيد من دقة التقاط الأشعة.
والأقمار الفرنسية "سبوت" SPOT مزودة باثنين من هذه التلسكوبات، التي يزن
كل منها 250 كجم، ويبلغ طوله مترين ونصف المتر، وبعد التقاط الصور بواسطة
النظام البصري، يسقط الضوء على أجهزة الإحساس الضوئية، التي يتكون كل منها
من 1000 خلية، تحول الإشارات الضوئية إلى إشارات كهربائية.
3. الأجهزة المستخدمة في دراسة البحار والمحيطات
وبعض أجهزة الاستشعار التي تحملها الأقمار الصناعية سلبية، مثل أجهزة قياس
الإشعاع "الراديوميتر" Radiometer، وتتولى الكشف عن انبعاث الأشعة
الطبيعية من البحر، أو ما يعكسه البحر من ضوء الشمس.
وهناك أجهزة استشعار أخرى إيجابية، تبعث موجاتها الرادارية خلال فتحة
رادار اصطناعية Synthetic Aperature Radar: SAR، فتتولد صورة يوافق بريقها
كمية الطاقة المنعكسة من سطح البحر في شكل موجات دقيقة. ويتحكم في توليد
الصورة أحوال سطح البحر، ومدى اضطرابه، والحركة بوجه عام. والصور، التي
يحصل عليها بالرادار، يمكنها أن تكشف التفاصيل عن بعض الخصائص، مثل الحركات
النموذجية الداخلية، أو طبوغرافيا القاع، إلى عمق عدة أمتار.
أ. جهاز قياس الارتفاع
وجهاز قياس الارتفاع Altimeter يعمل عمل رادار قد تكون له أهمية خاصة
لقياس مستوى سطح البحر، ومن ثم درجة انحداره في حدود بضعة سنتيمترات من
الدقة. ومعنى هذا، أنه بفضل قياس الارتفاعات، يمكن الكشف عن تنوع تيارات
المحيط، على أساس إجمالي، كما يمكن قياس حجم الدوامات المحيطة، على مساحات
شاسعة مضطربة، مثل دوامات بحار الجنوب.
وتسجيل
وقت بث الموجة الرادارية في رحلتها من القمر الصناعي إلى البحر ووقت
استقبالها، ودراسة شكل هذه الموجة عند رجوعها تعطي الأدلة على حالة اضطراب
البحر. وعلى ذلك، فإن هذا الجهاز يتيح وسيلة لمراقبة ارتفاع الأمواج في كل
الأوقات، وهو متغير له أهميته في الملاحة.
ب. مقياس التشتت
ومقياس التشتت Disperometer رادار يغطى مساحة أكثر اتساعاً. فالشدة
المتوسطة للموجات الرادارية، هي مقياس لاضطراب البحر نتيجة لهبوب الرياح.
ومن ثم، فإن طريقة الكشف هذه، تتيح وسيلة لقياس الريح، على سطح البحر في
مساحات شاسعة، لا تعبرها السفن العادية، أو سفن الأرصاد الجوية. ويمكن
تحسين التنبؤات الجوية بإدماج مثل هذه المعلومات بنماذج للتنبؤات الجوية.
وعلى الرغم من المشكلات، التي تسببها السحب، التي تغطي الجو، فإن أجهزة
الاستشعار، التي تقيس الإشعاعات تحت الحمراء المنبعثة من البحر، تعطى صوراً
لدرجة حرارة سطح البحر. ويستخدم علماء المحيطات هذه المعلومات لرصد
الدوامات العنيفة في المحيط، أو الحدود بين الكتل المائية، التي تختلف
درجات حرارتها.
وفي
البحار قليلة العمق، تفيد درجة الحرارة في الاستدلال على تدفقات المياه
الخارجية من مصاب الأنهار، أو تمييز كتل المياه، التي لا يبدو أنها تتبدد
في عرض البحر، ومن ثم، يمكن أن تدل على وجود أسراب السمك.
5. أجهزة تحليل البيانات ومعالجتها وتتكون أجهزة تحليل ومعالجة البيانات من:
أ.
حاسب آلي ذو ذاكرة كبيرة، لدرجة تمكنه من تخزين أكثر من صورة ودراستها.
وعند معالجة البيانات الرقمية للصور الفضائية، يمكن الاستعانة بأي من
مستويات نظم الحاسب الآلي التالية:
(1) الحاسب الشخصي Personal Computer
(2) محطة العمل Work Station
(3) الشبكة الرئيسية Main Frame
وتختلف هذه المستويات أساساً في عدد التعليمات أو الأوامر، التي تقوم
بمعالجتها في الثانية الواحدة، ويتيح كل من محطة العمل والشبكة الرئيسية
عدداً من الشاشات ولوحة المفاتيح، مما يسمح لأكثر من شخص بالعمل في الوقت
نفسه.
ب.
الراسمة او الناسخة الكبيرة Plotter، وهي تستخدم لطبع الخرائط الناتجة من
تقسيم البيانات الرقمية، التي تعرف بخرائط الانبعاث الطيفي المتعدد،
المرسومة بالحاسب، (اُنظر صورة الانبعاثات الطيفية).
ج. الناسخة الصغيرة، وهي مخصصة لطبع الأرقام، أو أي إحصائيات تجري على البيانات الرقمية، وكذلك تستخدم لطبع خرائط على ورق.
د. جهاز دراسة البيانات الرقمية وتحليلها، التي تحمل على أقراص، وهي تعمل مستقلة عن الحاسب الآلي.
5. الأجهزة المعاونة في فهم السلوك الطيفي
وهذه الأجهزة تساعد على فهم السلوك الطيفي للمواد والأشياء، وتشمل هذه الأجهزة ما يلي:
أ.
جهاز قياس الانعكاسات أو الانبعاثات، ويعرف بالراديومتر Radiometer.
وأجهزة الراديومتر من حيث طريقة وضعها على الأرض نوعان، أحدهما يثبت على
الأرض بواسطة حامل أحادي الأرجل، أو ثلاثي الأرجل، على ارتفاع حوالي 1.5
متر عن سطح الأرض، والنوع الآخر من هذه الأجهزة يمكن حمله باليد.
وفي كلا النوعين يتم التقاط بيانات الانعكاس من مساحة أرضية تتراوح من 1
إلى 1.5 متر مربع، طبقاً لمدى ارتفاع القياس. وعند إجراء أي قياسات
راديومترية ينبغي الأخذ في الحسبان تاريخ إجراء الدراسة، ساعة أو زمن
التقاط البيانات، والظروف المناخية، وكذا زاوية أخذ بيانات الانعكاس أو
التقاطها، وضرورة إجراء معايرة للجهاز Calibration قبل استخدامه.
ب.
جهاز فحص الأشعة المجسمة تحت الحمراء سبكترومتر Spectrometer والفكرة
الأساسية في هذا الجهاز هي وجود مصدر ضوئي يصدر أشعة ضوئية على العينة
المراد قياس انعكاساتها.
ج.
جهاز إسبكترومتر الأشعة تحت الحمراء Infrared Intelligent Spectrometer
(IRIS): ويعمل هذا الجهاز على رسم منحنى الانبعاث الطيفي خلال المدى الطيفي
من 300 إلى 3000 نانومتر ، وكذلك تسجيل البيانات الرقمية لهذا المنحنى
بصفة مستمرة، كما يمكن استخدامه في الدراسات الحقلية والمعملية معاً، وبهذا
فانه يجمع بين خصائص جهاز الراديومتر، من حيث الاستخدام الحقلي، وخصائص
جهاز الإسبكترومتر من حيث القياس المستمر للانبعاثات خلال إجمالي المدى
الطيفي.
6. أجهزة تحديد الموقع GPS
وتستخدم هذه الأجهزة في تحديد الإحداثيات لمناطق الفحص والدراسة الميدانية، التي حُددت بناء على دراسة الصور ومعالجتها.
ومن هذه الأجهزة جهاز تحديد الموقع كونيا Global
Positioning System: GPS، الذي يتصل بعدد حوالي 12 قمراً صناعياً، خاصة
بتحديد الإحداثيات. وتتحقق القراءة الصحيحة بتوفر الاتصال بين الجهاز
وأربعة أقمار صناعية على الأقل، وتختلف دقة الجهاز باختلاف نوعه.
والجدير بالذكر أنه عند التعامل مع الاستشعار عن بعد؛ فإن خط الصفر
للإحداثيات الطولية هو خط جرينتش، وأما خط الصفر للإحداثيات العرضية فهو خط
الاستواء، ووحدة قياس المسافة هي المتر.
سادساً: الاستشعار عن بعد باستخدام الموجات المتناهية القصر
تعتمد فكرة الاستشعار عن بعد باستخدام الموجات المتناهية القصر
Microwaves، أو ما يسمى "الاستشعار الراداري"، على إرسال موجات
كهرومغناطيسية في نطاقات معينة، (اُنظر جدول نطاق الترددات الرادارية)، إلى
الهدف المراد دراسته، ثم استقبال الموجات المنعكسة منه.
ونتيجة دور الرادار في إرسال هذه الموجات وعدم اعتماده على انبعاثات
كهرومغناطيسية ذاتية من الجسم، كما هو الحال في الاستشعار السالب، فيعرف
هذا النوع باسم "الاستشعار الموجب".
والرادار يلتقط الصور الجانبية، أو القطاعية. فالجهاز ذو النافذة
التخليقية "سار" Synthetic Aperture Radar: SAR، (اُنظر صورة هوائي الرادار
سار)، يرسل نبضات تجاه المنطقة المستهدفة، تم يتلقى الطاقة المنعكسة.
ويعكس السطح الخشن طاقة إشعاعية أكثر من السطوح الناعمة، فسطوح الجبال،
وتدفق الصخور المصهورة، على سبيل المثال، تبدو مصادر لامعة في صور
الرادار.
وبقياس الزمن الذي تستغرقه الإشارات لقطع المسافة من الرادار إلى الهدف
والعودة، يمكن قياس الارتفاعات النسبية للتضاريس المختلفة. وتسجل الإشارات
الرادارية المنعكسة على فيلم بأسلوب هولوغرافي Holographic، يتم بعدها
تحويلها باستخدام أشعة الليزر إلى صور تعطي إحساساً بالتجسيم، أي التصوير
ثلاثي الأبعاد، (اُنظر صورة نموذج ثلاثي الأبعاد لسفينة).
1. رادار القمر "سيسات"
أول رادار تصويري مدني، وضع في مدار حول الأرض، كان على متن قمر صناعي
للمحيطات سمي "سيسات " Seasat، أطلق عام 1978م. وعلى الرغم من أنه قد عمل
لمدة تقل عن أربعة شهور بسبب خلل أصابه، فقد أكد المسح، الذي أجراه، أن
لسطح المحيط خطوطاً محددة تماماً، كالأرض، وهناك مناطق تعلو مناطق أخرى،
بما يزيد على 250 متراً.
وهذه الارتفاعات والانخفاضات نتيجة للفروق في الجاذبية الناتجة عن التوزيع
غير المتساوي لكتلة الأرض داخلها. ولدى تلقى هذه المعلومات من القمر
"سيسات"، رسم علماء مختبر الدفع النفاث، بمعهد التكنولوجيا في "باسادين"
بكاليفورنيا، صورة لقيعان البحار في العالم، من المنتظر أن تستخدم دليلاً
لاكتشافات مستقبلية، وأن تثير تفكيراً جديداً حول جيولوجية هذا الكوكب.
2. النظام الراداري للمكوك "كولومبيا"
كان مكوك الفضاء "كولومبيا" قد حمل في رحلته الثانية في نوفمبر 1981م،
نظاماً رادارياً مصمماً لمسح الأرض. وقد تم تركيب الصور الناتجة فوق صور
"لاندسات"؛ لتركيز الأضواء على الطبيعة المتكاملة للتقنيات، من خلال مزج
صور الرادار الشديدة الوضوح لسطح الأرض، والرؤية المتعددة الأطياف لكيمياء
السطوح، التي يقدمها "لاندسات"، كما هو الحال في أنواع الصخور والغطاء
الخضري. وبدت الصور المركبة الناتجة، التي تعطي ألواناً غير حقيقية، مذهلة
بقدر ما تحتوي من معلومات.
ولكن أكثر الاكتشافات، التي نتجت من التحليل، هي مشاهدات الرادار الفضائي،
تحت رمال الصحاري. ففي المناطق المتناهية الجفاف، تبين أن إشارات الرادار
قد اخترقت مترين أو ثلاثة أمتار من الرمال، وفي بعض الحالات خمسة أمتار
تقريباً، وكثيراً ما اصطدمت بالقاعدة الصخرية.
وعندما عبر القمر سماء السودان وجنوب مصر، التقط الرادار صوراً، كشفت عن
آثار مدفونة لأنهار؛ كانت ذات يوم تتدفق هناك، وحفرت لنفسها أودية، بلغ
عرضها عرض النيل الحالي.
وعقبها حفر الجيولوجيون الثقوب في الصحراء، وأكدوا وجود شبكة من أحواض
الصرف القديمة، ووجدوا مواقع مدفونة لمستوطنات بشرية عندما كانت الصحراء
أقل جفافاً. وبالإبلاغ عن هذه الاكتشافات استنتج هناك العديد من الطرق، التي تستخدم الاستشعار عن بعد في مجال البحار والمحيطات؛ منها:
(1) التصوير الجوي:
ويستخدم لدراسة تلوث مياه البحار والمحيطات، وتحديد مواقع بقع فضلات الزيت
الملقاة من السفن عابرة البحار والمحيطات، ورسم حدود الشواطئ للبحار
والمحيطات، وتحديد أشكالها.
(2) التصوير في مجالات ضوئية متعددة:
ويستخدم في تحديد مواقع النباتات المائية وتوزيعها، ورسم الخرائط لأعماق
المياه، ودراسة التيارات الحرارية وحركة المياه المصاحبة لها، وتحديد مواقع
المخلفات الصناعية، وانتشارها على امتداد الشواطئ، ودراسة توزيع المواد
العالقة بالمياه والمواد المترسبة في البحيرات، ودراسة توزيع الكلوروفيل
ومناطق تركيزه.
(3) المسح الحراري:
ويستخدم في التعرف على نظم التيارات الحرارية وانتشارها في الماء، وفي
دراسة نوعية المياه وخصائصها الطبيعية، وتحديد أماكن بقع الزيوت الطافية
على سطح الماء.
(4) المسح الراداري:
ويستخدم في قياس الخصائص السطحية لمياه البحار والمحيطات، ودراسة أحوال
الأمواج البحرية، وتحديد أماكن بقع الزيت ومناطق تعكر المياه، والمواد
العالقة قرب السطح، ودراسة بعض الخواص الطبيعية للمياه ونوعيتها.
تحمل الأقمار الصناعية المخصصة لدراسة البحار والمحيطات أجهزة علمية لقياس ورصد وتصوير العناصر التالية:
(1) سرعة الرياح.
(3) رسم التضاريس السطحية للمحيط.
(3) قياس درجة حرارة السطح.
(4) قياس الموجات السطحية والعميقة للمحيط.
(5) تحديد التيارات الرئيسية في المحيط.
(6) رصد الدوامات المحيطية.
(7) رصد وقياس حركة الثلج.
(8) رصد ومتابعة البقع الزيتية.
(9) رصد ومتابعة الثروة السمكية والحياة البحرية.
الخبراء أن إمكانات وجود المياه الجوفية القريبة من السطح، كافية لإثارة
الاهتمام في صفوف العلماء، الذين يملكون الآن وسيلة لاستكشاف الصحارى على
هذا الكوكب.
3. القمر الراداري "رادار-1"
القمر الصناعي الراداري الأمريكي " رادار-1" Radar-1، هو القمر الأول الذي
يطلق للاستخدامات العسكرية والمدنية في الوقت نفسه. وسيؤمن صوراً رادارية،
لها درجة وضوح، تصل دقتها إلى متر واحد.
ويعتمد هذا القمر على تقنية الرادار ذي النافذة التخليقية "سار" Synthetic
Aperture Radar (SAR)، الذي يسمح بالتقاط الصور، أثناء النهار أو الليل،
وفي كل الظروف المناخية، على عكس الصور البصرية في الأقمار الصناعية
التصويرية التقليدية، (اُنظر صورة جوية بالرادار السار).
وتعود موافقة الدوائر العسكرية الأمريكية، على منح الترخيص، بإطلاق قمر
صناعي راداري مدني، إلى الرغبة في توفير أموال ميزانية وزارة الدفاع، مع
التطلع إلى الاستفادة من التطورات التكنولوجية، التي تتحقق في القطاع
الخاص. بيد أن القمر الصناعي الراداري "رادار - 1" يخضع لرقابة الدولة، إذ
إنه ينبغي على الشركة المستثمرة الحصول على إذن خاص من الحكومة الأمريكية،
قبل بيع أي صورة رادارية، بدرجة وضوح تصل إلى خمسة أمتار أو أقل، إلى عميل
مدني.
وأهم مميزات استخدام الرادار في الاستشعار عن بعد هي:
أ. مرونة بيانات الرادار
صممت أجهزة الرادار المستخدمة في أغراض الاستشعار عن بعد بحيث يمكن التحكم
في ميل الحزمة الرادارية على المحور العمودي على مستوى الأرض، بحيث تراوح
هذه الزاوية بين صفر و60 درجة. وقد أدى ذلك إلى إمكانية المتابعة اليومية
للظواهر الطبيعية، وعرفت هذه الميزة بالتعدد الزمني للتغطية، أو المتابعة
لظاهرة ما، في أوقات نشاط تغييرات عالية، من خلال دراسات اكتشاف
التغييرات.
والمساحة التي يغطيها المنظر الراداري تتراوح بين 50 × 50 كم، في حالة
حزمة الأشعة الدقيقة، و500×500كم، عند استخدام الحزمة الرادارية للرادار ذى
النافذة التخليقية Synthetic Aperture Radar: (SAR). وتراوح درجة التفريق
بين 8 م و100م.
وبطبيعة الحال ساعد ذلك على اتساع مجالات تطبيقات البيانات الرادارية
وتعددها في اكتشاف البترول، والغاز والمعادن، وتقدير التأثيرات البيئية،
وإظهار الكوارث الطبيعية ومتابعتها، وإظهار المحاصيل ومتابعتها، وعمل
الخرائط الأرضية، وإدارة السواحل، وإظهار استخدامات الأراضي ومتابعتها.
ب. قدرة الرادار على اختراق السحب
يتميز الاستشعار الراداري بالقدرة على اختراق السحب، والضباب، والأمطار،
والأتربة، والظلام. وهذا يؤدي إلى الالتقاط المستمر للصور الرادارية
بالنهار والليل، على حد السواء، وتزداد أهمية هذه القدرة الاختراقية
بالمناطق الاستوائية، والساحلية، والقطبية. وهذا الأمر لا يتوافر بالنسبة
لأقمار الاستشعار الفضائي السالب.
ج. استمرار الحصول على البيانات الرادارية، والمتابعة شبه اللحظية للظواهر الديناميكية
وتكرار مرور القمر الصناعي، الحامل لأجهزة الرادار، فوق موقع ما بالكرة
الأرضية، يفيد في الحصول على عدة صور كل يوم؛ ما يتيح المتابعة، شبه
اللحظية. وفي الظروف العادية تختلف فترة ما بين الزيارات الرادارية باختلاف
نوع الحزمة الرادارية، وبالتالي تختلف درجة التفريق، أيضاً.
وتتوقف الفترة بين الزيارات المتكررة للموضع نفسه، بالإضافة إلى نوع
الحزمة الرادارية، على خطوط العرض والطول لهذا الموقع، حيث تزداد هذه
الفترة في اتجاه خط الاستواء، وتقل الفترة الزمنية عند خطوط العرض الأخرى
لقصر المسافة بينها، وبالتالي يزداد عدد المسارات الممكن تكرارها يومياً.
د. إمكانية رؤية الموقع نفسه من اتجاهين مختلفين
يتيح الرادار الإمكانية لرؤية نفس الموقع من اتجاهين مختلفين، وبالتالي
الحصول على صورتين لمنطقة ما، من اتجاهين متقابلين، الأمر الذي يساعد على
الحصول على أكبر قدر من المعلومات.
هـ. القدرة الاندماجية للبيانات الرادارية مع بيانات أخرى
وهذه القدرة تظهر مزيداً من المعلومات الأرضية، فعند دمج البيانات
الرادارية بالقياسات الجيوفيزيائية Geophysical Measurements تتوافر
معلومات عن سطح الأرض، وما تحت سطح الأرض.
و. تعدد درجة التفريق
أدى تعدد درجة التفريق للبيانات الرادارية، واختلافها من 8 متر إلى 100
متر، إلى تعدد مقياس رسم الخرائط الناتجة بما يتناسب مع الغرض من الدراسة.
فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام بيانات الحزمة الرادارية الدقيقة أو
القياسية لعمل الخرائط التفصيلية، بينما تستعمل بيانات الحزمة الرادارية
(SAR) لإعداد خرائط على مستوى المناطق Regional Mapping.
تحليل صور الاستشعار عن بعد remote sensing imageries analysis يمثل
تحليل صور الاستشعار عن بعد remote sensing imageries analysis ،إحدى
الصعوبات الفنية في مجال الاستشعار عن بعد عند التعامل مع مخرجات أنظمة
الاستشعار عن بعد، إذ إن حجم المعلومات والبيانات، التي يتم جمعها وتسجيلها
على تلك المخرجات (المرئيات الفضائية الرقمية) هائل جداً، بحيث يستحيل
تقريبا التعامل معه بشكل يدوي او تقليدي، ومن هنا كان لابد من تطوير برامج
وتطبيقات حاسوبية تستطيع التعامل مع هذه المرئيات الفضائية-
الضوئيةpassiveوالرادارية active، وتحويلها إلى معلومات وبيانات مفهومة
ومفيدة بحسب التطبيقات المستهدفة، ويتطلب ذلك تحليل الصور الجوية والفضائية
وتفسيرها آلياً، وهو ما يدخل في مجال علم "الذكاء الاصطناعي" ( Artificial
Intelligence - AI).
وفيما يلي وبايجاز ابرز تلك المراحل وما يميزها:
أولاً: صور أقمار التجسس "أبوللو"
حملت المركبة الفضائية "أبوللو ـ 9"، التي أطلقت 1969م، مجموعة من
الكاميرات، التقطت صوراً للأرض، بعدة أطوال موجبة، في وقت واحد، وأظهرت هذه
الصور أن هذه التقنية، التي عُرفت باسم "التصوير متعدد الأطياف"
(Multispectral Imaging) يمكن استخدامها في عدة تطبيقات مفيدة، كالتمييز
بين الغطاء النباتي السليم والمصاب بالآفات، وفي عمل الخرائط الدقيقة،
ومراقبة التلوث والتصحر، وغير ذلك.
ثانياً: تطور تقنيات التصوير
قد أدت الصور الفضائية دوراً مهماً في عمليات التجسس أثناء حقبة الحرب
الباردة، ونتيجة لذلك حدث؛ تطور كبير في تقنيات التصوير، وكيفية التعامل مع
الصور الفضائية. فقد بدأ التصوير باستخدام الفيلم، الذي كان يعاد إلى
الأرض لتحميضه، ثم تكبر الصور.
وتلا ذلك التصوير باستخدام الدوائر الإلكترونية الحساسة، حيث تبث
المعلومات على هيئة أرقام، يتم تجميعها آليا، باستخدام أجهزة الحاسب
المتطورة، ثم طورت بعد ذلك تقنية جمع المعلومات في الأطياف المتعددة، والتي
تسمح بالرؤية الليلية، أو بقراءة الاختلاف في الحرارة بين جسم وآخر، وكذلك
التصوير الراداري، الذي يخترق السحب.
ثالثاً: صور مكوك الفضاء "إنديفور"
قد ذكرت وكالة الطيران والفضاء الأمريكية "ناسا" NASA أن الصور، التي
رسمها مكوك الفضاء "إنديفر"، تُعد أفضل من تلك الصور الموجودة حالياً
للأرض، وأن كان معظمها سيبقى سرياً، وسيكون استخدامها قاصراً على أجهزة
الدفاع والاستخبارات الأمريكية.
وكان الرواد الستة على متن المكوك قد مدّوا صارية، في الفضاء بنجاح، وهي
المرة الأولى التي تقام فيها بنية في محيط منعدم الجاذبية. وشكل مد
الصارية، الذي انتهى بعد ست ساعات على وضع المكوك في مداره، أحد أهم مراحل
هذه المهمة، التي تهدف إلى التقاط صورة طوبوغرافية، ثلاثية الأبعاد، للأرض
بفضل جهاز مسح راداري شديد التطور.
وقد سمحت الصارية –المنصة- بالتقاط صورتين للأرض في الوقت نفسه، وذلك
باستخدام تقنية تعرف بتقنية "تداخل حزم موجات الرادار". فالصورة الأولى تمت
بواسطة هوائيات الرادار في المكوك، والأخرى بواسطة الهوائي المثبت في طرف
الصارية.
وأمضى طاقم المكوك أياماً في الفضاء، يبثون خلالها إشارات رادارية إلى
المدن، والحقول، والجبال، والغابات، وكل شىء تقريباً يدخل في تشكيل سطح
الأرض فيما بين القطبين. ولدى ارتداد الإشارات إلى الفضاء، قامت الهوائيات
المركبة على صارية المكوك بتجميعها للحصول على صور تماثل الأفلام
السينمائية، أو الصور ثلاثية الأبعاد، لتكوين أفضل صورة طبوغرافية للأرض،
أمكن الحصول عليها حتى الآن.
رابعاً: الحصول على الصور
من المعروف أن عملية التصوير تنتج صوراً للملامح من خلال تسجيل انعكاس
الضوء المرئي للعين عنها، ولكن مجسات الأقمار الصناعية الماسحة لا "ترى"
فقط الضوء المرئي، ولكنها "تحس" بالإشعاع في منطقة الطيف الكهرومغناطيسي،
الذي يقع وراء اللون الأحمر، وبالتالي وراء الإدراك المحدود للعين، وهو ما
يسمى "المنطقة القريبة من دون الحمراء". ومن هنا كانت قدرة القمر الصناعي
على "الرؤية" المتعددة الأطياف، والإمكانية غير العادية على إعطاء
المعلومات.
وحيث إن الأشياء المختلفة، كالحيوان والنبات، والمعادن، تعكس ضوء الشمس
بطرق مختلفة، فإن كلاً منها يقال: إن له "بصمة طيفية"، فالحجر الرملي يعكس
الضوء في المنطقة دون الحمراء بشكل يختلف عن عكس الطفلة، والتربة المبتلة
تختلف عن الجافة.
كما تختلف الانعكاسات في الذرة عنها في القمح، وهكذا. ومثل هذه البصمات
تصبح قابلة للتمييز عقب التحليل الدقيق للمعلومات المصورة، ويعالجها الحاسب
الآلي على الأرض. وفي هذه المعالجة، يصبح ما هو خفي بالضرورة مرئياً من
خلال استعمال ألوان "كاذبة" تعطي هذه الصور مظهراً غير مألوف.
خامساً: الأساليب الحديثة لالتقاط الصور ومعالجتها
وفي تجربة للأسلوب الجديد في النظر إلى الأرض عن بعد، أبرز نظام التصوير
بالرادار، الذي تحمله الأقمار الصناعية، مقاطع كبيرة من الأرض، محققاً
نتائج باهرة. وهكذا أدت التكنولوجيات الحديثة، والمعالجة الإلكترونية
للبيانات إلى تغيير ثورى في علم التصوير الفضائي وفنه. وقد شارك في إحداث
هذه الثورة الأقمار الصناعية وأجهزة الحاسب الآلي، التي جعلت الصور الجديدة
أكثر قدرة على فهم العالم. وربما أكثر قدرة على إدارته، فالصور تسعى إلى
تبسيط العالم إلى مقاييس تسمح للإنسان بفهمه.
ودرجة التفريق Resolution لأنظمة التصوير في الأقمار الحديثة تستطيع أن
تلاحظ تغيرات أدق في شدة الضوء المنعكس عن سطح الأرض. بمعنى إن كل مستشعر
يستجيب للتغير في شدة الإضاءة، ويختزن النتائج في صورة رقمية، وكل رقم يمثل
عنصراً من عناصر الصورة، ويتم تجميع عناصر الصورة من خلال معالجة الحاسب
لتكوين الصور.
سادساً: راسمات الصور الموضوعية thematic mappers scanners
تستخدم الأقمار الصناعية الحديثة "راسمات الصور الموضوعية". فإضافة إلى
قدرتها التحليلية وحساسيتها الفائقة للتباينات الضوئية، فإن هذه المستشعرات
تستطع أن "ترى" أكثر، لأنها تقيس الضوء المنعكس في ستة أطوال موجبة ؛
أربعة منها في المنطقة دون الحمراء، وكذلك قناة حرارية لالتقاط درجات حرارة
السطوح.
ويراد
للصور أن تخدم غرضاً محدداً، أو أن توضح موضوعاً معيناً، قد يكون التربة
أو توزيع الغطاء الخضري، أو التدفق الجليدي،أو الغطاء الثلجي، أو الصدوع
الجيولوجية، أو أنماط استخدام الأرض. وكل هذه تمثل أدوات صناعة رسم الصور
بواسطة القمر الصناعي.
وقد تطورت تكنولوجيا الحصول على صور الاستشعار عن بعد، من حيث الوضوح والدقة. وتعددت وسائل التصوير، ومنها:
1. التصوير التليفزيوني
ويتم بواسطة كمرتين، تكون الزاوية بين عدستيهما صغيرة؛ ما يزيد من مجال
الرؤية للعدستين، وأثناء تحليق القمر يقع في مجال رؤيتهما شريط من سطح
الأرض، يبلغ عرضه ألف كم أو أكثر، وتسجل الصورة الناتجة
على شريط مغناطيسي، ثم تنتقل إلى الأرض، عندما يمر القمر فوق أحد مراكز
استقبال المعلومات، وتستطيع الكاميرا تصوير الأماكن المكشوفة فقط، بينما
يعوق عملها الظلام والسحاب.
2. التصوير بالأشعة تحت الحمراء
تقوم أجهزة الأشعة تحت الحمراء بقياس الإشعاع الحراري المنبعث من سطح
الأرض، وعن طريق الحصول على البصمة الحرارية لمنطقة ما يمكن تحديد نوع
المكونات الصغرى للصورة، (اُنظر جدول العلاقة بين درجة حرارة الجسم ونوع
الأشعة تحت الحمراء التي يشعها)،ويلعب الحاسب دورا كبيرا في تحديد شكل
الصورة، (اُنظر صورة كميات المياه في الجو).
3. التصوير الضوئي
تم هذا التصوير باستخدام كاميرات ضوئية، ذات عدسات قوية، للحصول على
تفاصيل دقيقة، ويتم هذا التصوير نهاراً، وفي الظروف الجوية الجيدة، وهذا هو
أفضل أسلوب للحصول على معلومات مؤكدة وصورة ثلاثية الأبعاد.
4. التصوير باستخدام الأشعة السينية
هو أسلوب مستحدث للاستشعار عن بعد، ويستلزم أنواعا ضخمة من الكاميرات.
وهذه الأشعة تستطيع اختراق المواقع بدرجات مختلفة لتحديد ما بداخلها،
ويستخدم هذا الأسلوب في محطات الفضاء أو الأقمار الصناعية الضخمة التي تزن
أكثر من طن.
سابعاً: مكونات الصورة في مرئية الاستشعار عن بعد
تركب صورة مرئية الاستشعار عن بعد من مساحات صغيرة متساوية، تدعى عناصر
الصورة، "بكسل" Pixels، تكون مرئية في خطوط وأعمدة منتظمة. ونتخيل أن
الصورة تتكون من كم هائل من هذه العناصر، كل منها يمثل مساحة أرضية، تختلف
من قمر لآخر، فهي 57 × 79م في الجيل الأول من أقمار "لاندساتLandsat "
الأمريكية، و10 × 10م أو 20 × 20م في حالة القمر الفرنسي "سبوتSpot ".
من هذه المساحة تصدر انبعاثات أو انعكاسات كهرومغناطيسية، تلتقطها أجهزة
القمر، التي ترسلها إلى محطات الاستقبال الأرضية. ويتوقف عدد البيانات
الرقمية لأي عنصر على عدد القنوات، التي تمثل الأطوال الموجبة، التي تستقبل
عليها الانبعاثات أو الانعكاسات الطيفية.
ثامناً: معالجة الصور
يشير مفهوم معالجة الصورة إلى استخدام الحاسب الآلي لمعالجة بياناتها،
المخزنة في هيئة رقمية. وتستهدف هذه المعالجات في مجملها زيادة إيضاح
الصورة عن طريق زيادة التناقض Contrast أو تقسيمها إلى مجاميع، أو بغير ذلك
من الطرق، ويعبر عنها بألوان مختلفة، وذلك للوصول إلى أكبر قدر من
المعلومات عن الأشياء موضوع الدراسة.
تعد المعالجة الرقمية للصور من أهم التقنيات المستخدمة في مجال الاستشعار
عن بعد، وقد ساعد في تطبيق هذه التقنية إمكان الحصول على المعطيات بشكل
رقمي، ولأطوال موجبة متعددة من جهة، ومن جهة أخرى التطور الكبير الذي تشهده
أجهزة الحاسبات الآلية، من حيث سرعة معالجتها للبيانات، والإمكانية
الكبيرة على تخزينها. ومن المزايا الأساسية لتقنية المعالجة الرقمية
تنوعها، وإمكان تكرارها، ومحافظتها على دقة المعطيات الأصلية.
وترتبط الصور بالحاسب بعلاقتين أساسيتين هما: معالجة الصور، وتجميع الصور
بواسطة الحاسب الآلي Computer Graphics. وتتم معالجة الصور بالحاسب الآلي
في ثلاث مراحل أساسية:
1. إدخال الصورة المطلوب معالجتها إلى ذاكرة الحاسب.
2. معالجة الصورة.
3. إخراج الصورة بعد معالجتها في عدة أنواع من المخرجات
تاسعاً: معالجة الصور بالحاسب Computer image processing
وبذلك، فإن معالجة الصورة بالحاسب تشبه، من حيث المبدأ، والمراحل، معالجة
المعلومات بالحاسب. بل هي في الواقع معالجة للمعلومات المرئية بالحاسب.
والصور، كمعلومات مرئية، لا تتكون من وحدات منفصلة، كالأحرف والأرقام، التي
يمكن إدخالها للحاسب عادة عن طريق وحدات الإدخال المتعارف عليها، مثل لوحة
المفاتيح، بل إن أي صورة تمثل فيضاً من المعلومات المستمرة والممتدة في
إطارها.
ومن جهة أخرى، فإن الحاسب يمكنه فقط التعامل مع البيانات المنفصلة،
كالأحرف والأرقام، وفي تعامله مع هذه البيانات يقوم بتحويل كل بيان إلى رقم
ثنائيBinary. ولهذا يطلق على معالجة الصور باستخدام الحاسب "المعالجة
الرقمية للصور" Digital Image Processing.
عاشراً: عملية إدخال الصور
وتشتمل مرحلة إدخال الصورة لذاكرة الحاسب أساساً على عملية تحويل فيض
المعلومات المستمرة، في داخل إطار الصورة، إلى معلومات رقمية متتابعة، هذه
المرحلة يطلق عليها اسم "المسح والترقيم"، حيث تقسم الصورة إلى عناصر صغيرة
تسمى Pixel. وفي المعالجة الرقمية للصور تقسم الصورة إلى عناصر متساوية
الأحجام، وهنا يمكن تخيل أن الصورة مكونة من مربعات صغيرة.
وتمثل عملية المسح والترقيم إعطاء قيم لشدة الاستضاءة لكل عنصر من هذه
العناصر. ويُوصف كل عنصر بقيمة تشير إلى شدة إضاءته. ففي حالة الصور
الرمادية يمكن أن يوصف العنصر الأسود بالقيمة صفر، تم تزيد القيمة بزيادة
شدة إضاءة العنصر. وإذا خصص لكل عنصر حرف واحد Byte لتمثيل شدة الإضاءة،
فإنه يمكن تمثيل العناصر شديدة الاستضاءة البيضاء برقم أكبر من الصفر، وأن
تمثل درجات اللون الرمادي بأرقام بين الصفر ورقم اللون الأبيض.
حادي عشر: مزج الصور
وعلى الرغم من إمكانية استخدام الصور المفردة للنطاقات الضيقة والمصححة في
عمليات التفسير، إلا أن إمكانية المزج بين صور النطاقات المختلفة تعد أكثر
ملائمة للمحلل أو المفسر البصري في تحديد المعطيات الخاصة، وذلك حسب هدف
الدراسة المراد تحقيقه. وتنتج الصور الملونة من طريق مزج ثلاثة أطوال موجبة
مختلفة، من خلال إسقاطها عبر منابع ضوئية للألوان الأزرق والأخضر والأحمر،
حيث تفيد الصور الملونة في إمكانية التمييز الأفضل.
ويمكن تقسيم الصور إلى ثلاث مجموعات:
1.
تشتمل المجموعة الأولى على الصور الرمادية، التي يمكن أن تراوح قيمة أي
عنصر من عناصرها من قيمة السواد إلى القيمة المناظرة للون الأبيض. ويتكون
جهاز إدخال الصور الرمادية للحاسب، عادة، من كاميرا فيديو متبوعة بمحول
إشارات مستمرة، يحول الإشارات من كاميرا الفيديو إلى مصفوفة من الأرقام،
يمكن إدخالها للذاكرة، التي يطلق عليها "ذاكرة الصورة". وإظهار الصور
الرمادية العادية بشدة إضاءة وتفاصيل تحليلية مقبولة، يحتاج في العادة إلى
256× 256 عنصراً للصورة. وعلى ذلك فحجم الذاكرة المطلوب لتخزين صورة رمادية
متوسطة هو 34 كيلوبايت K. Byte.
2.
أما المجموعة الثانية من الصور فيمكن توصيفها للحاسب بمجموعة من
الإحداثيات والأشكال الهندسية البسيطة، مثل الخطوط المستقيمة وأقواس
الدوائر. وتمثل، عادة، هذه الصور أشكالاً هندسية كخرائط المدن، والحقول،
وأشكال المباني، والدوائر الكهربية، وغيرها.
3.
وتوصف المجموعة الثالثة من الصور على أنها ثنائية: أبيض وأسود. وعلى الرغم
من أن هذه الصور الثنائية يمكن تمثيلها في حجم ذاكرة صغيرة، إذا مثل كل
عنصر برقم ثنائي، وبالتالي يمكن أن تمثل كل 8 عناصر في مكان حرف واحد. وهذه
الطريقة لا تستخدم، عادة، وذلك لأن أجهزة الحاسب لا تتيح عادة التعامل مع
رقم ثنائي واحد بطريقة مباشرة. وعلى ذلك، فإن كل عنصر من هذه العناصر، إما
أن تخزن قيمته في مكان حرف، وإما أن يلزم بناء دوائر خاصة بإدخال هذه الصور
الثنائية.
ثاني عشر: جهاز ماسح الصور
ويسمى هذا الجهاز Scanner، ويحدد ثمنه قدرته، التي توصف بسرعة مسح وثيقة
واحدة، وكذلك بقدرته التحليلية. فالماسح المتوسط يقوم بمسح الوثيقة 8 × 12
بوصة في زمن أقل من الدقيقة، وبقدرة تحليلية تصل إلى 255 عنصراً في البوصة
الطولية. أي أن الوثيقة التي أبعادها 8 × 12 بوصة ترفع على أنها ما يقرب من
4 ملايين عنصر.
وعند إمكانية تجميع كل 8 عناصر في مكان حرف واحد، يكون حجم الذاكرة
المطلوبة نصف مليون حرف. من هذا يتضح أن الاحتياجات لأحجام ذاكرة كبيرة، في
مجال المعالجة العددية للصور، هو من الأمور المطروقة.
ثالث عشر: أهداف المعالجة الرقمية للصور
وترتبط أساليب المعالجة الرقمية للصور بالهدف من هذه المعالجة، وتتمثل هذه الأهداف في:
1. تحسين الصور أو تعديلها؛ لإظهارها وإظهار المعلومات ذات الأهمية الخاصة بطريقة أفضل.
2. عمل قياسات على الصور، والقيام بعملية التلاؤم بين عناصر الصورة.
3. تعرّف أجزاء من الصورة.
والمعالجة هنا تقوم على أساس معرفة مبدئية بمكونات الصورة، ويكون الهدف،
عادة، عمليات تصنيف للصورة من طريق بيانات عناصرها، لمعرفة محتوياتها.
رابع عشر: أساليب المعالجة الرقمية للصور
وتتم المعالجة الرقمية للصور بإحدى الأساليب الثلاثة الآتية:
1. أسلوب معالجة النقطة، وفيه يعالج كل عنصر من عناصر الصورة على حدة، ودون اعتبار للعناصر الأخرى.
2. أسلوب معالجة المساحة، ويستخدم للحصول على حدود أوضح لأجزاء الصورة.
3.
أسلوب معالجة الإطار، وهنا تكون المعالجة لصورتين متتابعتين على الأقل،
لإظهار الفروق بينهما. ويستخدم هذا الأسلوب في عمليات المراقبة لتعرّف
الأجزاء المتحركة. ولذلك، ومع اعتبار كمية البيانات الخاصة بكل صورة، يتضح
الاحتياج الدائم لوسيلة معالجة أسرع.
خامس عشر: مميزات صور الاستشعار الحديثة
تتميز الصور الحديثة للاستشعار عن بعد بأنها بيانات ذات نوعية عالية المستوى لأنها، تمتلك الخواص التالية:
1.
ارتفاع درجة التفريق المكاني Spatial resolution، حيث انتقلت من 57 × 79م
في جيل الأقمار MSS إلى 30 × 30م في جيل الأقمار TM، و20 × 20م أو 10 × 10م
في حالة القمر الفرنسي "سبوت SPOT"، ثم جاءت طفرة الجيل الثالث ليقدم دقة
إيضاحية عالية للصورة الفضائية، وذلك بتصغير المساحة الأرضية، التي تمثل
النقطة الأساسية Pixel، حيث بلغت هذه المساحة 3 × 3 أمتار في الأقمار Early
Birds ثم 1 × 1 متر، و4 × 4 أمتار في الأقمار Quick Birds... أو حتى نصف
متر : 50 سم، في GeoEye...(أقمار تجارية..فكيف هو الحال في أقمار ذات
الاستعمالات الإستراتيجية الخاصة بتلك الدول؟.
2.
ارتفاع درجة الدقة الطيفية Spectral Resolution، ويقصد به ضيق المدى
الطيفي، أو قصر الطول الموجي، الذي يتم خلاله التقاط الموجات
الكهرومغناطيسية المنبعثة من الأجسام الأرضية، حيث يتباين المدى الموجي من
90 إلى 110 نانومترات في القمر الفرنسي "سبوت"، ويتراوح هذا المدى في الجيل
الثاني TM بين 70 نانومتراً في القمر TM-1 و250 نانومتراً بالنسبة للقمر
TM-6. ثم جاء الجيل الثالث لينقلنا إلى مدى طيفي ونوعية فضائية وطيفية
وتعدد طيفي آخر، وذلك عند استخدام أجهزة الاسبكترومتر، والتي تعرف باسم
CASI، والتي تعتمد على ديناميكية المدى الطيفي للقنوات Spectral Band
Range، وديناميكية درجة التفريق.
3.
تعدد القنوات، أو الأطوال الموجبة، التي يتم عليها التقاط انبعاثات
الأجسام الأرضية، فبنظرة إلى بيانات صور القمر "سبوت"، نجد أنها تلتقط فقط
على ثلاث موجات، بينما يعطي الجيل الأول من أقمار "لاندسات" بياناته على
أربع قنوات، وقد زادت إلى سبع قنوات، في بيانات الجيل الثاني TM، وجاء
الجيل الثالث، من بيانات الاستشعار السالب، ليقفز بعدد القنوات إلى 545
قناة.