البناء العشوائي
واقع ملموس وحلول مقترحة- د. رحاب محمد بن سعود
د. رحاب محمد بن سعود
أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد - جامعة بنغازي
أ.
مريم محمد الكوافي
محاضر - كلية الاقتصاد - جامعة بنغازي
مجلة المختار للعلوم الاقتصادية - كلية الاقتصاد بجامعة عمر المختار - ليبيا - المجلد الثالث - العدد الخامس - 2016م - ص ص. 169 - 191:
ملخص الدراسة
صاحب النمو الحضري السريع في العديد من الدول النامية
بعض المشكلات الاجتماعية والأمنية والصحية والاقتصادية , فظهرت المناطق العشوائية
التي تفتقر للعديد من الخدمات الضرورية داخل المدن وخارج محيطها الحضري.
تهدف الدراسة إلى
تحليل واقع البناء
العشوائي في ليبيا بشكل عام وبمدينة بنغازي بشكل خاص , والتعرف
على أهم مسبباته للتوصل إلى مجموعة من
التوصيات التي تشكل حلولاً مقترحة للحد من هذه الظاهرة , وعليه تتمثل فرضية الدراسة في أنه كلما أمكن معرفة
العوامل المسببه للعشوائيات كلما أمكن وضع الحلول المناسبة لمعالجة المشكلة.
ولتحقيق هدف الدراسة تم اتباع الأسلوب الوصفي التحليلي وتوصلت
الدراسة إلى أن تدخل الحكومة السابقة في مراحل التخطيط للمدن الليبية كان من أبرز الأسباب التي أدت إلى ظاهرة
العشوائيات.
هذا وقد اقترحت الدراسة تعديل القوانين والتشريعات ذات العلاقة بالتخطيط العمراني, العمل على تطوير وتنمية الريف والقرى وخلق فرص عمل فيها , اشتراك المؤسسات المالية والبنوك الإسلامية في التمويل العقاري .
1.
مقدمة:
إن المشكلة المتعلقة بالسكن هي هم يشغل معظم الدول
النامية ، حيث يمثل سكن العشوائيات بها أكثر من 43 %من السكان بتلك الدول ، وترتفع
النسبة حسب تقرير منظمة الصحة العالمية كلما انخفض مستوى الدخل لتلك الدول إذ يصل
لأكثر من 70 % من عدد السكان بالدول الفقيرة ، والتوقعات تزداد سوءا حسب التقرير
للأعوام والعقود اللاحقة. ويعد
البناء
العشوائي نتيجة لمشكلة السكن ، فقد اصبح واقع ملموس في اقتصاديات تلك الدول
شاءت أم أبت. ونظراً للآثار السلبية المصاحبة لمشكلة العشوائيات على مختلف
الأصعدة
اقتصادياً ، اجتماعياً وبيئياً ، فإنه يتحتم على هذه الدول مواجهة هذه
المشكلة والإسراع
بإيجاد حلول جذرية وعملية لها بأقل تكلفة ممكنة.
ولعل الدول التي تعاني الفقر في برامج
تخطيط المناطق السكنية داخل المدن والقرى والقصور في تخطيط البنية التحتية
والمرافق العامة ، لن يكون مفاجأة إن عانت من مشكلة البناء العشوائي. ولأن
ليبيا ليست الاستثناء , تحاول هذه الورقة
تحليل واقع البناء
العشوائي بها بشكل عام وبمدينة بنغازي بشكل خاص والتعرف
على أهم مسبباته , للتوصل إلى مجموعة من
التوصيات التي تشكل المتطلبات الاساسية للحد من هذه الظاهرة , ولتحقيق ذلك سوف تتناول الورقة النقاط
التالية :
·
تعريف العشوائيات
·
الآثار السلبية للبناء العشوائي
·
الأسباب الكامنة وراء ظاهرة انتشار العشوائيات
·
التطورات في قطاع الإسكان في ليبيا
·
مشكلة العشوائيات في ليبيا
·
مدينة بنغازي وملامح ظاهرة العشوائيات
·
أسباب ظاهرة البناء العشوائي في بنغازي
·
مراحل التخطيط في ليبيا
· النتائج والمقترحات
مشكلة الدراسة
تنمو المدن الليبية
وخاصة مدينة بنغازي نحو أطرافها وخارج حدود مخططها في مناطق تعرف بالعشوائيات ,
حيث تسببت مجموعة من العوامل في اتساع المدينة وامتدادها على حساب الأراضي
المجاورة وشكلت هذه العشوائيات حزاماً حول المدينة الذي امتد ليصل داخل المدينة
نفسها , مما ترتب عليه الكثير من المشكلات البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
هدف الدراسة
تهدف الدراسة إلى ما يأتي:
·
تحليل واقع البناء
العشوائي في ليبيا بشكل عام
وبمدينة بنغازي بشكل خاص.
· تسليط الضوء على
العوامل المسببه للعشوائيات.
· وضع مقترحات تمثل
حلولاً مقترحة للحد من هذه الظاهرة.
فرضية الدراسة
كلما أمكن معرفة
العوامل المسببه للعشوائيات كلما أمكن وضع الحلول المناسبة لمعالجة المشكلة.
أهمية الدراسة
· تعتبر هذه الدراسة من الدراسات القليلة التي تناولت موضوع البناء العشوائي -خاصة بعد أحداث 17 فبراير التي كان لها أثر كبير في زيادة حجم هذه الضاهرة- من حيث العمق التحليلي الذي يستهدف دراسة الواقع الراهن للبناء العشوائي بغرض استكشاف الأسباب التي أدت إليه من أجل الوصول إلى حلول مقترحة من شأنها الاسهام في مواجهة هذه الأسباب.
·
تعتبر
هذه الدراسة الأولي من نوعها-علي حد علم الباحثتين- التي أضافة لأدبيات هذا
الموضوع تعريف مختلف للعشوائيات عن ماهو
سائد.
· أيضاً تكمن أهمية الدراسة في الأمل من أن توفر
هذه الدراسة مادة علمية مفيدة للباحثين والدارسين في كافة المجالات , وأن تزود
متخذي القرارات في ليبيا بمعلومات عن واقع
البناء العشوائي في مدينة بنغازي فيتضح المطلوب منهم تجاه هذه المشكلة.
منهجية الدراسة
اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي بشكل أساسي و اُستعين بالمنهج التاريخي في تتبع مراحل التخطيط في ليبيا. وتم الحصول على البيانات والمعلومات من المصادر الأولية وهي المقابلات الشخصية مع بعض المسئولين في هذا المجال وذلك من خلال زيارة المكاتب والإدارات ذات العلاقة بموضوع الدراسة. تم أيضاً الحصول على البيانات بالاعتماد على المصادر الثانوية مثل الكتب , والدوريات المتخصصة , والتقارير...الخ.
النتائج والمقترحات :
اولاً أهم النتائج:
1- أظهرت نتائج
الدراسة أن تعريف العشوائيات في ليبيا يختلف عن ذلك السائد في أدبيات هذا الموضوع
, ففي ليبيا العشوائيات ليست فقد تلك الأماكن الغير قانونية والمفتقرة للبيئة
الصحية وإنما قد تكون قانونية وفي بيئة صحية. كذلك في ليبيا العشوائيات ليست قاصرة
على أطراف المدينة وإنما بداخلها أيضاً مثل مشروع 7000 وحدة سكنية داخل مخطط مدينة
بنغازي.
2- تعود مشكلة الاسكان في ليبيا إلى عدة عوامل منها انخفاض الإيرادات النفطية , العقوبات
الدولية والحصار الاقتصادي , انخفاض معدل
تنفيذ المخططات السكنية بليبيا, الفراغ
التخطيطي منذُ منتصف الثمانينيات وحتى 2011 حيث لم تعد هناك خطط تنموية ترتبط
بالنشاط العمراني.
3- إن مشكلة
العشوائيات تعود إلى مجموعة أسباب منها :
·
التخطيط المُمنهج لكل ما يترتب عليه ظهور العشوائيات مثل
عدم تطوير القطاع الإسكاني وهذا واضح من خلال مراحل التخطيط التي مرت بها ليبيا.
·
عدم الاهتمام بالمناطق الريفية شجع معظم السكان على
الهجرة نحو المدن.
·
انخفاض حجم القروض السكنية التي تمنحها البنوك
للمواطنين.
·
ثقافة امتلاك المنزل لدي المجتمع الليبي.
·
عدم وجود التشريعات والقوانين خاصة المتعلقة بالملكية
العقارية وتقسيم الأراضي وتسجيلها.
في ضوء ما سبق تطرح الدراسة جملة من المقترحات التي قد تسهم في حل مشكلة البناء العشوائي.
ثانياً : أهم المقترحات:
1- نشر الوعي بين أفراد المجتمع حول الآثار
السلبية للعشوائيات على النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
2-
العمل على تلبية حاجات المواطنين والطلب المتزايد على السكن ، بطرح أراضي مخططه ومخصصه للبناء تتناسب
مع احتياجات الأسرة الحاليه والمستقبلية وبأسعار مناسبة ومزودة بالمرافق العامه
الأساسيه ، و إعفاء مشروعات تلك الفئات من رسوم تسجيل الأراضي وتراخيص البناء
وتسهيل الإجراءات واختصار الوقت اللازم لذلك.
3-
تعديل القوانين والتشريعات ذات العلاقة بالتخطيط
العمراني مثل قانون رقم 4 لسنة 1978 الخاص بالملكية العقارية ,وقانون رقم
88 لسنة 1975 بشأن تقرير حكم خاص ببعض حالات بيع الأراضي المملوكة للدولة , والقانون
رقم 7 لسنة 1987 بشأن الغاء ملكية الأرض وغيرها من القوانين وإعادة النظر في علاقة
هذه القوانين بالتشريعات الأخرى مثل التشريعات الضريبية والسياحية.
4- أهمية تفعيل دور الدولة من خلال أجهزتها الإدارية والرقابية لردع المخالفات منعاً لاتشار العشوائيات. كذلك نشر التوعية بأهمية الالتزام بعدم الاخلال بقوانين البناء وأحكام الرقابه على حدود المدن والأراضى التابعة للدولة وتجريم البناء عليها.
5- وضع برامج
وحلول عاجلة لإيواء العائلات المتضررة
والتي أصبحت بدون سكن نتيجة أحداث 17 فبراير ويكون ذلك عن طريق تكوين قاعدة
معلومات يتم الاستفادة منها عند رسم السياسات الإسكانية وذلك من خلال تحديد
المناطق العشوائية ومعرفة عدد السكان بها وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية.
6- ايقاف الامتداد العشوائي الذي يهدد الأراضي الزراعية
وذلك عن طريق منع أصحابها من تقسيم هذه الأراضي إلى قطع سكنية وبيعها وتشديد
العقوبات القانونية علي المخالفين.
2. تعريف العشوائيات:
يشير مصطلح عشوائي إلى أي بناء بمجهود ذاتي في غيبة
القانون . ويفتقر إلى الخدمات والمرافق الأساسية
( القطقاط ,2008).
وعموماً لا يوجد تعريف موحد للعشوائيات أو البناء العشوائي فقد
يُشار إليها بأنها مناطق أقيمت مساكنها بدون ترخيص وفي أراضي تملكها الدولة أو
يملكها آخرون ، و في المجمل ارتكزت هذه التعريفات على التدهور العمراني والبيئي
وانتفاء الصفة القانونية على هذه النوعية من الإنشاءات الخارجة عن التخطيط العام
للمدن ، وعادة ما تقام هذه المساكن خارج
نطاق الخدمات الحكومية ولا تتوفر فيها الخدمات والمرافق الحكومية لعدم اعتراف
الدولة بها.
أما في ليبيا تعرف المناطق العشوائية من خلال الدراسات التي تم إجراؤها بأنها "مناطق أقيمت مساكنها بدون ترخيص من الدولة , أو في أراض تملكها الدولة أو يملكها آخرون , وعادة ما تقام هذه المساكن خارج نطاق خدمات الدولة , ولا تتوفر بها الخدمات والمرافق العامة لعدم اعتراف الدولة بها , وتستخدم العديد من المصطلحات للإشارة للمناطق العشوائية كمدن الكرتون , ومدن الصفيح , والأحياء الفقيرة وغيرها (دراسة العشوائيات خارج مخطط مدينة بنغازي , 2007).
كذلك تعرف على أنها أي تصرف من شأنه أن يؤدي إلى تعديل
في استعمالات الأراضي أو ارتفاعات المباني أو كثافة المنطقة المقررة بالمخطط
العمراني أو الإقليمي المعتمد , أو إحداث توسعات بالتجاوز لحدوده أو لأحمال وتوازن
شبكات المرافق العامة أو اعتراض مساراتها , دون الرجوع بالأسباب إلى جهة الاختصاص
وأخذ الموافقة (الجمعية الليبية للتخطيط
العمراني ,2012).
وبالتالي فإن تعريف العشوائيات في
ليبيا يُنظر إليه على خلاف ما تم التعارف عليه , حيث أنه لا يركز على الاحياء
الفقيرة فقد وإنما أيضا على كل ما هو غير مخطط من قبل الجهات الرسمية (مثل
القوارشة , بوعطني اللتان اصبحتا داخل التخطيط سنة 2009 لأنهما صارتا احياء كاملة
نتيجة البناء العشوائي ). أيضاً تبين من خلال المقابلات الشخصية أن الحكومة
الليبية السابقة كانت سبب ظهور العشوائيات على اعتبار أن العشوائيات هي أي تصرف من شأنه أن يؤدي إلى تعديل في استعمالات الأراضي
أو ارتفاعات المباني أو كثافة المنطقة المقررة بالمخطط العمراني وهذا ينطبق على كل مباني 7000 وحدة سكنية في ليبيا فالأراضي
التي بنيت عليها هذه المباني ليست مؤهلة
ولم تكن مخططة لمثل هذا النوع من البناء.
3. الآثار السلبية للبناء العشوائي
إن انتشار البناء العشوائي كأسلوب لحياة كثيرين له آثاراً سلبية في العديد من الجوانب التي تمس أساسيات حياة الفرد وتفاصيلها الدقيقة ، حيث تشمل نواحي حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والبيئة المحيطة بهم ، لذا من الأهمية بمكان أن تولي هذه الظاهرة الاهتمام بآثارها. لذا يجدر الأخذ بعين الاعتبار لكل المتعاملين مع هذه المشكلة أن تكلفة التعامل مع العشوائيات في الوقت الحالي قد تكون أقل بكثير من تكلفة الآثار السلبية الناتجة من بقاء الأوضاع كما هي عليه على المدي الطويل. يوضح الجزء التالي الآثار السلبية للبناء العشوائي على النواحي البيئية والاجتماعية والاقتصادية.
ا- آثارها على البيئة:
أن عجز الأفراد والأسر في
العشوائيات عن التخلص من النفايات ، أدى إلى تراكمها مما جعل من تلك العشوائيات
مكبا للقمامة لتراكم النفايات ، وبيئة غير صحية تعاني من انخفاض مستوى النظافة
ومصدرا لتجمع الحشرات الضارة والقوارض والحيوانات. مما يدق ناقوس الخطر البيئي
والصحي. هذا بالإضافة لانعدام المساحات الخضراء والفراغات المطلوبة في البناء
والتجمعات السكنية ، وأيضا البناء العشوائي على حساب الاراضي الزراعية ، كل ما سبق
له آثار بيئية سلبية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
ب- آثارها الاجتماعية
ترتبط
الصحة النفسية والاجتماعية بالبيئة المحيطة بالفرد وتنعكس على سلوكياته. " وقد أثبت الباحثون أن الفراغات
العمرانية وتشكيلاتها وأبعادها وأسلوب توظيفها يؤثر بشكل واضح ومباشر على نشاط
وسلوك السكان وكذلك في العلاقات الاجتماعية بينهم ,(
تركي ,2000).
إن انعدام الخدمات الاجتماعية مثل الوحدات الصحية ، والترفيهية ، و أقسام الشرطه. و بُعد المؤسسات التعليمية بطبيعة الحال حيث أنها خارج نطاق التخطيط العمراني الرسمي ، وأيضا الافتقار إلى وسائل النقل والمواصلات أدى بالعديد من الأسر لعدم ذهاب اطفالهم يوميا للمدارس مما كان له الأثر السلبي على التحصيل العلمي. كذلك بعض السلوكيات السائدة بين السكان مثل تربيه الطيور والمواشى داخل أو على أسطح المنازل في العشوائيات ، وعدم وجود إنارة كافية بالشوارع مما قد يجعل من العشوائيات مرتعاً خصباً للجريمة والأعمال المنافية للأخلاق. مما سبق فأن انتشار العشوائيات يؤثر تأثيراً سلبياً على المجتمع وحياة الأسر القاطنه فيه بشكل مباشر.
ج- آثارها الاقتصادية:
يترتب
على إزالة أو معالجة البناء العشوائي
تكاليف اقتصادية مرتفعة. حيث أن تكلفة إزالة أو ترميم وعلاج مشكلة العشوائيات
مرتفعة إذا أُخذ بعين الاعتبار ما يترتب عليها من انفاق على معالجة المشاكل الصحية
والاجتماعية والنفسية المترتبة على هذه العشوائيات ؛ فمثلاً اشارت إحدى الدراسات
التي أجريت في مصر إلى أن التكلفة اللازمة لتطوير العشوائيات قدرت بنحو 4 مليارات جنيه ، في الوقت الذي تصل
فيه ميزانية صندوق مكافحة العشوائيات نحو 800 مليون جنيه. هذا بالإضافة للخسائر
بسبب تشويه الابنية المعمارية وفقدان الكثير من المباني الأثرية في خضم البناء
الغير مرخص ، مما يكون له أثر انكماشي على القطاع السياحي.
كما أن الاصول
العقارية تقيم بأقل من قيمتها الحقيقية نظرا لوجودها خارج المخططات العامة للدولة ،
مما يشكل فاقد بالنسبة للأفراد. وأيضا من منظور تكلفة الفرصة البديلة بالمفهوم
الاقتصادي ، فانه كان بالإمكان قيام نشاطات اقتصادية فاعلة بتلك المجتمعات وبذلك
تعد هدرا للإمكانيات التي يمكن الاستفادة بها
من الثروة البشرية والاقتصادية. إضافة إلى ذلك ما يترتب عليها من زيادة للانفاق الأمنى
بسبب المشاكل الأمنية التي قد تحدث , كذلك
تكاليف علاج المشاكل المترتبة على هذه العشوائيات على المدى البعيد .
4 . الأسباب الكامنة وراء ظاهرة انتشار العشوائيات:
بدأت
ظاهرة الإسكان غير المشروع كرد فعل لعوامل متعددة ، منها الاقتصادية والسياسية
والديموغرافية والظروف الطبيعية ، ما دفع العديد من سكان المناطق الريفية وغيرها ،
للنزوح نحو العواصم و المدن الرئيسة التي تتمركز بها الخدمات ، للإقامة على
أطرافها ، دون التقييد بقوانين ملكية الأراضي ، ودون التقييد بنظم ولوائح التخطيط
العمراني. وعادة ما تشيد المساكن العشوائية من الصفيح أو الزنك أو الخشب أو
الكرتون في شكل أكواخ متفرقة ، وذات أزقة ضيقة تصعب حركة المواصلات بها إن وجدت.
وغالباً ما تفتقر مناطق السكن العشوائي للخدمات الضرورية كالصحة والصرف الصحي
والخدمات الأمنية وغيرها من الخدمات الأساسية. وفيما يلي عرض لبعض من أسباب
العشوائيات.
ا- تجاهل الريف في
البرامج التنموية والتركيز على المدن الكبيرة :
إن النمو الحضري على حساب الريف تزامنا مع زيادة عدد السكان وعدم استعداد المدن لاستقبال كل هذه الأعداد الوافدة من الريف مع النقص في عدد الوحدات السكنية فأصبح الريف مركز طرد و المدن مركز جذب ، مع تمركز الخدمات والمصالح الحكومية في المدن الرئيسه وظهور العديد من الصناعات الحديثة والتي يُعتقد بأنها تتيح فرص للعمل للكثير من أبناء الريف أدى إلى زيادة الهجرة الداخلية للأفراد والنزوح من الريف إلى المدن سعياً وراء الحصول على فرص العمل. ومع سعى هؤلاء النازحين من الريف إلى المدن للحصول على مسكن ملائم حسب مواردهم الضئيلة داخل للمدن. فقد لجؤوا إلى أطراف المدينه حيث الأراضب الزراعية أو الصحراوية فأقاموا تجمعات عشوائية بتكاليف أقل وإن كانت تعوزها الخدمات الاساسية وذلك بعد أن عجزت مواردهم عن تدبير تكاليف السكن داخل المخططات والمباني الرسمية للمدينة.
ب- قصور دور القطاع الخاص والقطاع
المالي في الاستثمار الاسكاني:
ضعف الموارد المالية للأفراد ، مع انخفاض مساهمة الحكومات والقطاع الخاص في مجال الإسكان المنخفض التكاليف. وتزامنا مع ارتفاع اسعار الأراضى والشقق السكنية ، وصعوبة الحصول على الدعم المالي من المؤسسات المالية والمصرفية في شكل قروض إما لانحسار دور القطاع الخاص في الاستثمار أو لارتفاع قيمة الأقساط لذوي الدخل المحدود أو لوجود الفوائد التي تمنع الكثير عن البناء داخل المخطط باستخدام القروض الربوية لعدم وجود بدائل للمصارف الإسلامية التي اصبح لها الأثر الطيب في مجال الاستثمار العقاري ، والتأجير التمويلي. وقد تجتمع الأسباب السابقة كما هو الحال في ليبيا. حيث أنه بالرغم من أهمية الاسكان إلا أن المصارف الليبية لم تساهم إلا بالنذر اليسير في مجال تمويل الإسكان حيث بلغت ما نسبته 5.5% من حجم الإئتمان المقدم للاستثمار العقاري (2008, ( Shabani.
ج-
ضعف التشريع القانوني وسؤ التخطيط العمراني:
بالإضافة
لما سبق ، إن
الخلل في التشريعات الخاصة بالملكية العامة ، ووجود الثغرات القانونية المستغلة من
قبل البعض ، وضعف الرقابة على حدود المدن والمناطق الزراعية ، كذلك التهاون مع مخالفين
القوانين والمستوليين على الأراضي من قبل الجهات الرسمية ، أسهم في زيادة مشكلة
العشوائيات ، حيث طالت الأراضي على أطراف المدن ، ونالت من الأراضي الزراعية. هذا بالإضافة
إلى سؤ التخطيط الإسكاني ، مما زاد مشكلة الإسكان تفاقما والبناء العشوائي
بالنتيجة حدة.
وتجدر الإشارة إلى أنه وأن كانت معدلات النمو المضطرد في السكان والزيادات المرتفعة في عدد السكان تقع على رأس قائمة مسببات ظاهرة العشوائيات في بعض البلدان ذات الكثافة السكانية مثل مصر ، فأننا نجد بأن الخلل التشريعي الذي ينظم علاقة الملكية العقارية والاستئجار في أولي درجات مسببات البناء العشوائي في الدول الأقل كثافة سكانية مثل ليبيا ؛ حيث أدى إلى
الإحجام عن الاستثمار في مجال الإسكان , وأصبحت الدولة هي المسئولة الوحيدة عن توفير المساكن. وما تضمن من توجهات الدولة في أسلوب التخطيط العمراني وكذلك الفساد الإداري وما ينطوي عليه من تجاوزات للقوانين والتشريعات في ليبيا يعد علامة فارقة فيما يخص ظهور العشوائيات. وقد بينت الدراسات بأن سؤ التخطيط يأتي في أولى مسببات إشكالية السكن والتعمير في بنغازي. (2009et.al. , Tumi &).5 التطورات في قطاع الاسكان في ليبيا:
بعد اكتشاف النفط وتوجهات ليبيا التنموية في مجالات عدة كان على رأسها الإسكان ، إلا أنه مع مرور الوقت وبسبب تغيرات عدة بدأ قطاع الاسكان يعاني فجوة بين الطلب المتزايد على السكن وبين العرض مما أحدث أزمة سكن ، وسنورد هنا نبذة مختصرة على تلك التطورات.
في الفترة من 1964 إلى سنة 1973 شهدت بعض التطورات الأولية في مضمار الإسكان حيث أنشئت أول وزارة للإسكان تعني بشئون القطاع على المستوى الأعلى بين أجهزة الدولة ، كذلك أنشئ أول مصرف يقوم بتقديم القروض السكنية.
وفي الفترة من 1973 إلى 1984 تم إجراء تعداد شامل للسكان وبشكل دوري كل عشر سنوات ، كذلك شهدت الفترة نمواً متزايداً في قطاع الإسكان حيث أدى إلى تخفيض العجز في المساكن من 26.7 % إلى 9.5 %عام 1984 م (مجموعة التخطيط المستدام , 2012) . وإجمالاً تعتبر الفترة من 1970 إلى 1978 فترة انتعاش لقطاع الإسكان ، حيث شكل الانفاق على قطاع الإسكان حجماً ملموسا حيث بلغ 37.5 مليون دينار في سنة 1970 ليبلغ سنة 1978 اكثر من 175 مليون دينار أي ما نسبته 13.7 % من مجمل الانفاق العام في باقي القطاعات ، حيث تعد هذه الفترة الأكثر انتعاشاً في قطاع الإسكان ، ولكن بعد قانون رقم 4 تزامناً مع تسجيل معدل نمو سكانيأكثر من 4 % وانخفاض حجم الإئتمان المصرفي في تمويل العقارات وانحسار الملكية الخاصة بدأت مشكلة الإسكان بالظهور, 2008) Shabani). حيث أنه مع بدايات الثمانينيات بدأت مشكلة الإسكان تبرز بشكل كبير بسبب عدة
عوامل منها انخفاض الإيرادات النفطية والتوجهات التشريعية للدولة-كما سبق ذكره -
وانتهاء بالعقوبات الدولية والحصار
الاقتصادي مما كان لها آثاراً مجتمعة أدت إلى
انخفاض معدل تنفيذ المخططات السكنية ، مما ترتب عليه عجز تراكمي في السكن بليبيا إضافة
إلى أنه من بداية منتصف الثمانينيات إلى 2011 تعد فترة فراغ تخطيطي حيث لم يعد
هناك خطط تنموية ترتبط بالنشاط العمراني ، كما اتسمت هذه الفترة بالتجاوزات
للمعايير والتشريعات ، مما سارع من وتيرة البناء العشوائي (مجموعة التخطيط المستدام ,2012).
6 مشكلة العشوائيات في ليبيا:
وإن كانت العشوائيات
تعتبر أمراً متوقعاً في الدول ذات الكثافة السكانية العالية والدخل المنخفض في أن
معاً. إلا أنه من المحزن وجود هذا الواقع في دولة مثل ليبيا ، حيث العدد القليل
للسكان والمستوى المرتفع لعائداتها النفطية. إن مشكلة السكن تعد من أبرز التحديات
التي تواجه الليبيين وقد بدأت المشكلة في الظهور اللافت في بداية الثمانينيات ،
ولعلها من أهم مخرجات ونتائج القانون رقم (4) لسنة 78 والذي ُمنع فيها الايجار(البيت
لساكنه) وامتلاك أكثر من سكن ، و الأرض ليست ملكاً لأحد مما ضيق الخناق على كلا
الجانبين العرض ( الملاك) والطلب (المواطنين الباحثين عن السكن). وما زاد من تفاقم
الأزمة تزامن مثل هذه القوانين مع انخفاض ميزانية الإسكان ، إضافة إلى تكبيل
القطاع الخاص عموما وقطاع الاستثمار العقاري على وجه الخصوص. كل هذه العوامل بالإضافة
لعوامل أخرى سيتم ذكرها لاحقا كانت السبب في ظهور العشوائيات.
إن عدم توازن خطط التنمية للمدن والريف قد ساهمت في اذكاء ظاهرة البناء العشوائي في معظم دول الوطن العربي. فقد كشفت دراسة للمعهد العربي لإنماء المدن عن أن النمو الحضري في معظم الدول العربية قد أدى لظهور العديد من المناطق العشوائية. وقد فاق عدد القاطنين في العشوائيات 15 مليونا في مصر مثلا (القطاط , 2008). كما انتشرت ظاهرة العشوائيات في دول المغرب العربي ، حيث اتضح أن نحو 50 % من سكان المناطق الحضرية في المملكة المغربية يقيمون في أحياء عشوائية. ولم يقتصر وجود المناطق العشوائية على الدول العربية التي تعاني من المشكلات الاقتصادية وإنما ظهرت أيضا في بعض الدول العربية ذات الدخل المتوسط بل وحتى المرتفع. ولعل ليبيا خير مثال على ذلك ، حيث تعاني من عجز كبير في تلبية حاجة المواطنين للسكن ؛ اذ شكلت أزمة السكن قبل عقد من الزمن ما نسبته 40 الف وحدة سكنية كعجز سنوي, 2008) Shabani). ووصل العجز إلى 300 ألف وحدة سكنية في سنة 2010 , يتضح من هذا أن هذه المشكلة أخذة في الزيادة وبشكل ملحوظ إذا لم تتخذ حيالها العديد من الاجراءات والخطوات المناسبة لحل هذه المشكلة والحد من اثارها.
7- مدينة بنغازي و ملامح ظاهرة العشوائيات
تقع مدينة بنغازي في شمال شرق ليبيا على سهل منبسط وممتد
وتغلب عليه الصفة السبخية , وهي ثاني أكبر المدن في الدولة كما تعتبر أكبر مركز
تجاري في المنطقة الشرقية من ليبيا وأحد أهم الموانئ البحرية الواقعة على السواحل
الجنوبية للبحر المتوسط لذلك شهدت مدينة بنغازي نمواً حضرياً سريعاً ,ونتيجة لهذا
النمو وغيره من الأسباب –التي سيتم التعرض لها لاحقاً - نشأت احياء سكنية عشوائية
تنمو بشكل متواصل ودون تخطيط. ويوضح الشكل التالي مثالاً على هذه المناطق
العشوائية خارج مدينة بنغازي نشأت هذه العشوائيات في مناطق مثل أبو عطني ,
القوارشة, قنفودة , الهواري وقد شكلت هذه المناطق حزاماً حول مدينة بنغازي (دراسة العشوائيات خارج مخطط مدينة بنغازي,
2007 : دراسة لبعض المناطق العشوائية في نطاق بنغازي
التخطيطى, 2009) ، كما هو موضح بالشكل رقم (1).